الإيمان بقيمة الحياة
قد تمر بالمرء منا لحظات ضعف تنعدم فيها قيمة الحياة في نظره فيمسي لا يرى فيها شيئا ايجابيا واحدا يستحق ان يعاش لاجله فكل ما حوله ظلام دامس وكدورات تتزايد ومصائب تترى . هنا لا بد لهذا الانسان من ان يقف مع نفسه وقفة استبطان داخلي ومكاشفة ذاتية صريحة فليس يعقل مطلقا ان تخلو حياته تماما من اية قيمة ايجابية تستحق المحافظة عليها ففي الحياة اية حياة ما هو غال مهم مثلما يكون فيها ما لا نراه كذلك كل ما هنالك ان علينا احيانا ان نكد اذهاننا بعض الشيء باحثين عن بعض الايجابيات التي ربما لا تطفو على السطح بمرأى ظاهر منا فلنجترح هذا الكد اذن ولنكن واثقين سلفا من انه سيقودنا لا محالة الى الاهتداء الى امور ما كنا نلمحها في سكرة تشاؤمنا على الرغم من انها قد تكون اكثر شيء قربا منا ولنتذكر قبل هذا كله ان الحياة في حد ذاتها نعمة عظمى وقيمة كبرى علينا ان نحافظ عليها ما وجدنا الى ذلك سبيلا . اجل فهذا ما تجأر به الفطرة المودعة فينا والقلوب النابضة في صدورنا وما اجمل ما قاله توفيق الحكيم في هذا الخصوص في حديث وجهه الى فتاة كانت قد خبت جذوة الايمان بالحياة في نفسها : (قلبك يذود عن الحياة ويناضل عنها نضال البطل ، لانه يؤمن بالحياة ، انما الذي يشك هو عقلك هو تفكيرك ومنطقك هو ذلك الشيء المصطنع فينا ذلك الشيء الذي اخترعناه بأيدينا ، اما القلب المؤمن بالحياة الحارس لها الذائد عنها دون ان نتدخل في عمله بأذهاننا فهو ذلك الجزء الاصيل فينا ذلك الجزء الذي وضعه الله)!
هذا كله عندما يكون الحديث عن الحياة الفردية وفقدان الايمان بأهميتها فماذا عن حياة الامة؟ يلاحظ عادة ان النكسات والتراجعات والهزائم التي تمنى بها الامم غالبا ما تترك في اوساط اهلها لا سيما المثقفين منهم اناسا لا يكادون يرون لاممهم حقا في الحياة بين الامم لانهم يرونها امما ميتة بالفعل بعد ان انتكست عزتها وتمرغت كرامتها في اوحال الهزائم ومختلف التراجعات . مثل هذه الحالة عاشها المثقفون العرب بعد هزيمة يونيو 1967م وامتلأت بها نتاجاتهم الادبية على اختلاف انواعها وهي حالة قد يمكن للمرء ان يلمحها ما تزال تلح على اذهان الكثيرين ونفوسهم في الوقت الراهن نتيجة الانكسارات والتنازلات ومختلف صنوف التراجع والانحسار التي تعيشها الامة وتتنوع تجلياتها بنحو اظهر من ان يخفى على كل ذي عينين او من القى السمع وهو شهيد ، كل هذا صحيح فليس يستطيع انكار ما تعانيه الامة اليوم الا من سفه نفسه او خاتل وجدانه لكن حياة الامة لا تخلو ايضا من ايجابيات ونقاط قوة ومحطات شرف ورجولة وكرامة بل العثور على هذه ايسر كثيرا من العثور على مثيلاتها في حياة الفرد فكل التراجعات والسلبيات هي اضعف شأنا واخفت صوتا من ان تصرفنا عن الايمان بعظمة شهدائنا وشموخ تضحياتهم وكبر عطائهم وكل ذلنا وركضنا المحموم وراء (السلام) المزعوم أوهى بناء من سموق قامات مجاهدينا والق اعينهم التي تتوق الى المجد حتى لو لم تجد امامها سوى الحجارة طريقا اليه. ثم ان حياة الامة هي الاخرى قيمة ايجابية عظيمة في حد ذاتها فهي الامة التي تهدي الامم وتسير بها في طريق الحق والفلاح ومرضاة الله تعالى واعظم بها من منزلة ودرجة!
ان هناك من يريدنا ان نخسر ايماننا بضرورة حياة امتنا يريدون ذلك بالتأكيد ونعلم تماما لاي سبب لكن هل ننسى انفسنا فنتركها تحقق لهم ما يريدونه؟ هل هي رخيصة حياة امتنا في انظارنا الى هذه الدرجة؟..